في ظل التطور المتسارع على المستويين العالمي والمحلي، فقد أصبح إعداد جيل من الشباب المتعلم والمؤهل على مستويات عليا، ضرورة ملحة تفرضها متطلبات التنمية الشاملة، حتى تتوافر للدولة كفاءات ماهرة، قادرة على التعامل مع المتغيرات الدولية ومعطيات التكنولوجيا الحديثة، والاستفادة من كل المستجدات؛ لإعداد جيل من الأكاديميين والباحثين والخريجين من ذوي المستويات التعليمية العليا، لسد احتياجات السلطنة من الكوادر المتخصصة في المجالات كافة.
إنَّ الاهتمام بالتعليم العالي في السلطنة بدأ منذ مطلع النهضة المباركة، ففي السبعينيات أنشئت دائرة المعارف، حيث كان قسم الابتعاث الخارجي أحد أهم أقسامها الحيوية، والتي تختص بشؤون الكفاءات العمانية وما يتعلق بابتعاثها للدراسة خارج السلطنة، ليكون هؤلاء المبعوثون المجيدون ممن يتقلدون المناصب العليا ويساهمون في مسيرة التنمية ودفع عجلة التطور والبناء في السلطنة. ويعد قسم الابتعاث الخارجي النواة الأولى التي تأسست منها وزارة التعليم العالي في عام 1994م.
ولكون الدراسة بعد الثانوية العامة في فترة السبعينات وبداية الثمانينات قد اقتصرت على البعثات الدراسية الخارجية؛ فقد نظمت عملية الابتعاث من خلال المراسيم السلطانية التالية:
بدأت مؤسسات التعليم العالي في السلطنة بالظهور في بداية الثمانينات بإنشاء المعهد المصرفي العُماني (كلية الدراسات المصرفية والمالية حالياً) في عام 1983م، وهدفها إعداد الكوادر البشرية وتأهيلها للعمل بالقطاع المصرفي، وكذلك الكليات المتوسطة للمعلمين (كليات العلوم التطبيقية حاليا) في عام 1984م، وهدفها إعداد المعلمين من حملة درجة الدبلوم فوق التعليم الثانوي. كما تم في العام ذاته افتتاح الكلية الفنية الصناعية (الكلية التقنية العليا حالياً)؛ وذلك لتلبية المتطلبات المحلية من التخصصات المهنية، بالإضافة إلى إنشاء بعض المعاهد الصحية لإعداد الممرضين العمانيين للعمل بالمستشفيات الحكومية، هذا الى جانب افتتاح معهد القضاء الشرعي والوعظ والإرشاد (كلية العلوم الشرعية حالياً) في عام 1986م لإعداد وتأهيل القضاة والدعاة.
وتوجت المسيرة التعليمية في السلطنة في تلك الفترة بافتتاح جامعة السلطان قابوس في عام 1986م.
وتقوم وزارة التعليم العالي منذ إنشائها بموجب المرسوم السلطاني رقم (1994/2)، بالعمل على تطوير قطاع التعليم العالي في السلطنة، حيث توسعت قاعدة مؤسسات التعليم العالي، لتشمل مجالات مختلفة وتخصصات متعددة، تلبي احتياجات التنمية الشاملة وسوق العمل. ولم يكن هذا التوسع محصوراً على التعليم العالي الحكومي، بل كان للقطاع الخاص العُماني الإسهامات الملموسة، بعد أن أتيحت له الفرصة للاستثمار في هذا المجال والتي تكللت بإنشاء جامعات وكليات خاصة، أسهمت في تلبية احتياجات السلطنة من الكوادر المؤهلة علمياً وفنياً، وبذلك اتساع مظلة التعليم العالي الذي يعد أحد الأهداف الوطنية المهمة.
وتم إشراك القطاع الخاص للإسهام في العملية التعليمية في النصف الثاني من التسعينات بموجب المرسوم السلطاني رقم (1996/18) الخاص بإنشاء كليات ومعاهد خاصة. وشهد التعليم العالي الخاص بالسلطنة تنوعاً في البرامج والمراحل الدراسية المتمثلة في المؤهلات الآتية: الدبلوم والبكالوريوس والماجستير، وطرحه برامج تخدم مختلف فئات المجتمع منها: المهنية والتقنية والإدارية. كما تقدم برامج تدريس اللغات كـ (اللغة الإنجليزية والاسبانية والفرنسية)، وتجدر الإشارة إلى ارتباط الجامعات والكليات الخاصة أكاديمياً بجامعات عالمية معروفة، بمكانتها العلمية في أوروبا وأمريكا وأستراليا وغيرها من الدول الأخرى.
وتشمل منظومة التعليم العالي بالسلطنة (69) مؤسسة تعليمية وفقاً لإحصائيات عام 2018م، موزعة جغرافياً على مختلف مناطق ومحافظات السلطنة، ويأتي تصنيفها بين (جامعات، و كليات جامعية، وكليات مهنية، والكلية المهنية للعلوم البحرية، وكلية عمان للعلوم الصحية، والمعهد العالي للتخصصات الصحية، والمعهد العالي للقضاء)، منها (42) مؤسسة تعليمية حكومية، تضم جامعة السلطان قابوس، و(6) كليات للعلوم التطبيقية تشرف عليها وزارة التعليم العالي، و(7) كليات تقنية تشرف عليها وزارة القوى العاملة، وكلية العلوم الشرعية وتشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، والكليات المهنية وعددها (7) كليات، والكلية المهنية للعلوم البحرية، وكلية الدراسات المصرفية والمالية ويشرف عليها البنك المركزي العماني. إضافة إلى عدد (5) كليات من مؤسسات التعليم العالي التي تتبع الأجهزة العسكرية وهي: الكلية العسكرية التقنية، والكلية الفنية الجوية، وكلية القيادة والأركان، وأكاديمية السلطان قابوس الجوية، وأكاديمية السلطان قابوس لعلوم الشرطة. كما أقر مجلس التعليم الموقر مشروع تحويل ثلاثة عشر معهد صحي تشرف عليه وزارة الصحة إلى كلية.
أما مؤسسات التعليم العالي الخاصة فقد بلغ عددها (27) مؤسسة، مقسمة إلى (9) جامعات و(18) كلية. ولهذه المؤسسات دوراً مهماً في استيعاب خريجي دبلوم التعليم العام الذين لم يحضوا بفرصة دراسية في المؤسسات الحكومية.
كما يجري العمل حالياً على صياغة قانون جديد للتعليم العالي تسري أحكامه على جميع مؤسسات التعليم العالي بالسلطنة، الحكومية منها والخاصة.
ويتم تنظيم عمليات قبول وتوزيع الطلبة على المقاعد الدراسية بجميع مراحلها وأنواعها من خلال مركز القبول الموحد الذي أنشئ بموجب المرسوم السلطاني رقم (2005/104). ويعد المركز أحد أهم المشاريع الإلكترونية التي أنشأتها الوزارة لتحويل الخدمات المقدمة يدوياً إلى خدمات إلكترونية، لتحقيق مبدأ العدالة والشفافية التي ينشدها الجميع في إجراءات تقديم طلبات الالتحاق، وتوزيع المقاعد الدراسية بمختلف مؤسسات التعليم العالي بالسلطنة وخارجها. ومنذ ذلك الوقت والمركز يدير النظام الإلكتروني للقبول، ويحرص على تطويره عاماً بعد عام ليواكب مستجدات كل مرحلة.
وساهم المركز منذ إنشائه في ربط قواعد بيانات وإحصاءات جميع مؤسسات التعليم العالي وإحصاءات الطلبة بمختلف فئاتهم ونوع دراستهم، وله دور في تعزيز معايير الشفافية والوضوح في أسس القبول، ونتيجة لذلك صنف المركز ضمن أفضل خمسة منتجات متميزة في مجال المحتوى والمضامين الإلكترونية على مستوى العالم ضمن جائزة (WSA) العالمية بالبندقية عام2007م، كما حصد العديد من الإشادات والجوائز الأخرى إقليمياً وعالمياً.
وبما أن عدد من مؤسسات التعليم العالي تتبع تنظيمياُ واشرافياً مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة، ولكون عملية وضع السياسات وتنسيق الإجراءات فيما بين هذه المؤسسات ضرورية، فقد كان من المهم إيجاد مظلة واحدة يسند اليها هذا الاختصاص، لذلك جاء المرسوم السلطاني رقم (1998/65) بإنشاء مجلس التعليم العالي. ومن ثم صدر المرسوم السلطاني رقم (2012/48) بإنشاء مجلس التعليم وإصدار نظامه ليحل محل مجلس التعليم العالي، وحددت اختصاصاته برسم السياسة العامة للتعليم بمختلف أنواعه ومراحله، والعمل على توجيه التعليم بما يتفق والسياسة العامة للدولة ومتطلبات التنمية الشاملة، وبما يؤدي إلى تحقيق الأهداف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية للسلطنة، ووضع استراتيجية للتعليم في إطار السياسة العامة للدولة بالتنسيق مع الجهات المختصة، والعمل على متابعة تنفيذها.
وتقدم الوزارة من خلال دائرة معادلة المؤهلات والاعتراف خدمات المصادقة على الشهادات، ومعادلتها، والاعتراف بالمؤسسات والبرامج التعليمية التي من الممكن أن يلتحق بها الطلبة في مختلف مراحل الدراسة الجامعية.
وتعد الملحقيات الثقافية التابعة للوزارة وعددها (6) ملحقيات في مختلف دول العالم كحلقة الوصل بين وزارة التعليم العالي والطلبة العمانيين الدارسين خارج السلطنة، وتُعنى هذه الملحقيات بشؤون الطلبة المبتعثين ومتابعة أوضاعهم الدراسية. كما تم اسناد ذات المهام الخدمية والإشرافيه للمبتعثين في استراليا الى القنصلية العامة للسلطنة في ملبورن.
والجدير بالذكر، تقدم القنصلية والملحقيات العديد من الخدمات من بينها: التعاون وفتح قنوات للتواصل مع مختلف الجامعات، وإيجاد القبول الجامعي المناسب للطالب. كما يتم عن طريقها صرف المخصصات المالية للطالب المبتعث للدراسة بالخارج، والتي تتولى المتابعة الدورية لنتائج المبعوثين وإصدار التقارير بشأن سير دراستهم، وكذلك الإشراف على الأنشطة الثقافية والفعاليات الوطنية التي تنظمها الجمعيات الطلابية العمانية في هذه الدول وتقديم الدعم اللازم لها.
وفي العام 2010م صدر مرسوم سلطاني سامٍ رقم (2010/45) بإنشاء الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي لتتبع مجلس التعليم؛ وتحل محل مجلس الاعتماد، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري. وجاء إنشاء هذه الهيئة لتكمل المسيرة التي بدأها مجلس الاعتماد السابق في نشر ثقافة الجودة واعتماد مؤسسات التعليم العالي والبرامج التي تطرحها؛ من أجل تمكين الخريجين من المنافسة في سوق العمل، والإسهام في عملية النهضة الشاملة التي تشهدها السلطنة. وتختص الهيئة بتنظيم جودة التعليم العالي بالسلطنة، بما يضمن للقطاع الاستمرار في المحافظة على المستوى الذي يحقق المعايير الدولية، وتشجيع مؤسسات التعليم العالي على تحسين جودة برامجها ومخرجاتها.
ولقد كان تطور التعليم العالي دائماً موازياً لنشاط البحث العلمي، ويعدان مكملان لبعضهما، لذلك سعت السلطنة إلى تطوير منظومة البحث العلمي لتشكل رافداً أساسياً لتطور نظام التعليم بشكل خاص، ولخدمة مسيرة التنمية في عمان بشكل عام. ولذلك، جاء إنشاء مجلس البحث العلمي بالمرسوم السلطاني رقم (2005/54)، الذي يمثل نقلة مهمة في تاريخ التنمية العمانية على مختلف الأصعدة العلمية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. فالبحث العلمي في الوقت الحاضر يعد أحد الركائز المهمة التي تعتمد عليها دول العالم للنهوض بمجتمعاتها والرقي بشعوبها، ففضلاً عن دوره في تنمية القدرات البشرية، فإنه يعد محوراً أساسياً في تشجيع الإبداع والابتكار وتطوير الصناعات، ومساهماً أساسياً في دخول عالم الاقتصاد المبني على المعرفة. وفي إطار المهام المسندة إلى المجلس، فقد حرص على إعداد استراتيجية وطنية تحدد مسار البحث العلمي والتطوير في السلطنة ليتماشى مع مسار خطط التنمية الشاملة في السلطنة من أجل الرقي بالإنسان العماني.
ويدعم المجلس العديد من برامج البحث والابتكار، وتهدف إلى تأهيل جيل من الباحثين في مجال إعداد البحوث والدراسات في مختلف المجالات، وذلك من خلال تشجيع مبادرات الباحثين في مجالات تخصصاتهم وخبراتهم العملية، وتعزيز ثقافة البحث العلمي في السلطنة، خصوصاً بين فئة الشباب وتحسين جودتها، وتنمية القدرات الإبداعية للباحثين.