جريدة الوطن
كتبت- مُزنة بنت خميس الفهدية
أصبح بيع وشراء البحوث الجاهزة واقعا مرا، وهناك العديد من العوامل المتداخلة التي ساهمت في انتشار هذا الأمر، ولكن ما زال لدينا الوقت للحد من تفاقم هذه المسألة، وتمّ تعريف البحوث الجاهزة على أنها أحد الأساليب الغير شرعية التي يمارسها بعض تجار التعليم، الذين يبيعون الابحاث العلمية كبحوث جاهزة من خلال استغلال حاجات بعض الطلاب وسعيهم للحصول على المعلومات المطلوبة دون جهد او عناء والاعتماد على الاخرين مقابل دفع مبالغ مالية.
وفي لقاء تلفزيوني للشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة تم سؤاله عن ما حكم من فتح مشروعا لحل الواجبات والبحوث الجامعية مقابل مبلغ معين وأحيانا يساعدهم في الحل. فهل يعتبر ذلك المبلغ حراما؟ قال الشيخ كهلان” اما ان يقدم الخدمة كاملة او أن يقدم بعض الخدمة اما ان يكون غاشا بالكلية واما ان يكون مشاركا في الكذب، هذا كسب خبيث غير طيب، فهذه البحوث الأصل فيها ان يقوم بها الدارسون أنفسهم، والاعمال البحثية هي تدريب الطلاب ان يقوموا بالبحوث بأنفسهم وان تتكون لديهم المهارات لتقديم بحوث رصينة علمية، ولا بد أن يسد مثل هذا الباب، وعلى المسلمين تجنب بيع وشراء البحوث الجاهزة.” وتواصلت “عمان” مع عدد من الأكاديميين والقانونيين للحديث عن موضوع بيع وشراء البحوث الجاهزة.
وتحدث فضيلة القاضي الدكتور يوسف بن سالم الفليتي قائلا” من منطلق الحماية التشريعية فإنه يترتب للمؤلف حقوقا أدبية قررها المشرع ومن ذلك ما ورد في نص المادة الخامسة من قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، للمؤلف حقوق أدبية غير قابلة للتقادم أو التصرف فله الحق في نسبة المصنف إليه بالطريقة التي يحددها وتقرير نشره لأول مرة وله الحق في منع أي تحريف أو تشويه أو تعديل أو أي مساس بمصنفه يكون من شأنه الإضرار بشرفه أو سمعته، ويقع أي تصرف في دائرة البطلان؛ كما يترتب للمؤلف حقوقا مالية تتعلق بنسخ مصنفه وترجمته إلى لغة أخرى أو اقتباسه أو توزيعه أو تحويره وتسري الحماية المالية كذلك في التصرف في أصل أو نسخ من مصنفه للجمهور بالبيع أو بأي تصرف آخر ناقل للملكية وتأجير أصل أو نسخ من مصنفه المجسد في تسجيل صوتي أو من مصنفه السينمائي أو من مصنفه الذي يكون عبارة عن برنامج حاسب آلي، وذلك لأغراض تجارية، والأداء العلني لمصنفه وعرض أصل أو نسخ من مصنفه للجمهور بأية طريقة كانت وإذاعة مصنفه.
وأكد الدكتور يوسف أنه يجوز لصاحب الحق المحمي أن يقدم أمر على عريضة أمام المحكمة المختصة ويجوز للمحكمة أن تصدر قرارا بمنع وقوع التعدي أو الفعل المحظور على حق محمي بموجب القانون ووقف التعدي على الحق المحمي والتحفظ على نسخ المصنف المجسدة للتعدي والمواد المستخدمة في عمل النسخ ووقف العرض الجاري إذا كان التعدي متعلقا بأداء علني لمصنف أو أداء أو تسجيل صوتي أو برنامج إذاعي أو حظره في المستقبل وللمحكمة كذلك حصر الإيراد المتحصل من الاستغلال غير المشروع للمصنف بواسطة خبير، كما يجوز لمن لحقه ضرر مباشر من أصحاب الحقوق أن يقيم دعوى تعويض أمام المحكمة المدنية المختصة؛ وقد حددت اللائحة قيمة التعويضات المستحقة لأصحاب الحقوق المحمية بما لا يجاوز (10000ر.ع) عشرة الآف ريال عن كل فعل من أفعال التعدي أو فعل محظور، ويجوز للادعاء العام مباشرة ملاحقة الجناة فيما يصل إلى علمه من جرائم دون الحاجة إلى شكوى من صاحب الحق أو من يمثله أو طلب من الجهات الحكومية المختصة؛ وفضلا عن العقوبة المدنية للضرر فإن العقوبة الجزائية المقررة للمخالفين ومستغلي المصنفات دون الإشارة إلى أصحابها وأذن منهم تسري عليهم نص المادة 52 من قانون حقوق المؤلف عقوبة السجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن ألفي ريال ولا تزيد على عشرة الآف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين .
وأضاف الفليتي” وقد عالج ذلك ايضا قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات حال أن الجريمة ارتكبت بإحدى وسائل تقنية المعلومات او عبر الشبكة المعلوماتية فنصت المادة 26 منه: يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ثلاثة الآف ريال عماني ولا تزيد على خمسة عشر ألف ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في التعدي على حق محمي قانونا لمؤلف أو لصاحب حق مجاور أو من حقوق الملكية الصناعية بأية صورة من صور التعدي المنصوص عليها قانونا، ولذلك فإن أي شراء أو بيع أو انتحال أو نشر أو توزيع مصنف يتعلق بكتاب أو بحث دون اتباع القنوات المقررة بموجب القانون يعتبر تعديا على حقوق الاخرين وانتحالا لآرائهم وأفكارهم يخضع مرتكبها تحت طائلة المسائلة القانونية جزائيا ومدنيا.
من جهته قال الدكتور علي بن سعيد الريامي أكاديمي بجامعة السلطان قابوس”لا تعليم دون بحث وتقصي ولا بحث دون تعليم وفق منهج علمي سليم، فمثلاً لم تكن الحضارة الإسلامية لتنمو وتزدهر، لولا تطور العلوم والبحث في التراث العلمي والفكري للأمم والحضارات السابقة عليها، كذلك لم تكن الحضارة الغربية، وتقدم الأمم المعاصرة، وما وصلت إليه من تطور لولا الاهتمام بالبحث العلمي، وجعله في سلّم أولوياتها، فهو ضلعاً أساسياً من أضلاع العملية التعليمية التي تقودها الجامعات والكليات والمعاهد ومراكز الأبحاث وحاضنات الابتكار.” وأضاف الدكتور علي” أن موضوع شراء وبيع البحوث الجاهزة مثيراً للقلق وفي تزايد، وكوني أعمل أكاديمياً، تمرّ عليّ عديد الحالات، وقد وقفت عليها واقعاً مؤسفاً؛ ولأن هذ الفعل يعد سلوكاً مجرّماً في الأعراف الأكاديمية، ويصنّف على أنه سرقة أدبية(Plagiarism)، لذا فإن الواجب يستدعي التحذير منه، وكشفه ومحاربته، قبل أن يستفحل ويصبح ظاهرة فعلا. “
وعرج في حديثه بالقول أن هذه الظاهرة-إن صح التعبير- تبدو أكثر شيوعاً في بعض الدول التي تنتشر فيها المكاتب التي تبيع المذكرات الدراسية بجوار الحرم الجامعي، وتقدم خدمة إعداد مخططات البحوث ومشاريع التخرج لطلبة الجامعة في مرحلة الدراسات الجامعية الأولى، وحتى في مرحلة الدراسات العليا، بل أن الأمر تطوّر ليصبح اليوم أكثر احترافية من خلال المواقع الافتراضية التي تخطت الحدود الجغرافية، حيث يمكن مراسلتها، وطلب خدمة إعداد الخطط البحثية المطلوبة لرسائل الماجستير والدكتوراه، أو حتى شراء أوراق بحثية جاهزة، ولا أستبعد إمكانية التعاقد معها لإعداد الأطروحات الجامعية، خاصة في العلوم النظرية البحتة، وهذا ليس سراً حيث تصلنا عشرات الرسائل البريدية التي تحمل إعلانات تقديم مثل هذه الخدمات وبأسعار مغرية ، لدرجة أنها أصبحت تجارة رائجة على ما يبدو للأسف الشديد، وإن كنا لا نملك إحصائيات مؤكدة، ويصعب الحصول عليها باعتبارها تجارة غير مقننة، وتمارس بشكل غير معلن وتحت غطاء تقديم خدمات تعليمية، والتي بواسطتها يتم التعاقد مع متخصصين للقيام بتلك الأبحاث مقابل المال.
وأكد الريامي أنه بطبيعة الحال هناك أسباب عديدة يمكن رصدها تقف وراء لجوء الطلبة لشراء البحوث الجاهزة، من أبرزها ضعف الوعي بأهمية الاعتماد على الذات في إعداد البحوث، وعدم وضوح الرؤية ماذا يعني بحث؟ وما أهميته وفائدته والإضافة المعرفية للبحوث، بالإضافة إلى ذلك تفتقد المناهج الدراسية في مدارس التعليم العام، تعليم القواعد الأساسية الأولية لمهارات البحث العلمي، والتفكير الناقد، حيث التركيز أكبر على وسائل التعليم التقليدية القائمة على التلقين، وفي استطلاع كنت قد أجريته على عينة من الطلبة اتضح أن أكثر من 69% من الذين شملهم الاستطلاع، أجابوا أنه لم يتم الحديث معهم عن كيفية إعداد البحوث، فضلاً عن التعريف بمعنى الأمانة العلمية، وحقوق الملكية الفكرية، وهذا بطبيعة الحال يخلق فجوة معرفية لدى انتقال الطالب من التعليم العام إلى التعليم الجامعي، ولا تزال مسارات التعليم لدينا غير واضحة، فليس جميع الطلبة لديهم الاستعداد اللازم للاشتغال على البحوث ذات الطابع الأكاديمي الرصين، وهم بذلك يجدون نفسه مرغمين على القيام بعمل بحثي لا يجيدون أبجدياته، فالاشتغال البحثي يتطلب وقتاً وجهداً وصبراً، وهي الصفات التي يفتقدها كثير من الطلبة.
وأوضح أنه مع وجود التشريعات في المؤسسات التعليمية الجامعية التي تجرّم هذا السلوك، إلا أن الكشف عن تلك الممارسات تقع على عاتق أعضاء هيئة التدريس وهم عادة ما يتساهلون في تطبيق العقوبات الرادعة، بل أن نسبة 64% من الطلبة الذي شاركوا في الاستطلاع يجهلون الإجراءات القانونية المترتبة على هكذا ممارسة، و60% منهم تقريبا يلجؤون إلى تقديم البحوث الجاهزة بسبب كثرة التكاليف البحثية المطلوبة منهم، والاعتقاد السائد لدى كثير من الطلبة أن إعداد البحوث، إنما هي فقط لغرض استكمال متطلبات النجاح، ولا يدركون الغاية الأسمى منها، هذا الاعتقاد يدفعهم لاختيار الطريق الأسهل لتحقيق وهو شراء أو نسخ البحوث الجاهزة، وسهولة الوصول إلى شبكة المعلومات العالمية(الإنترنت)، والكم الهائل من الأبحاث والمعلومات المنشورة إلكترونياً، دفع الطلبة إلى استخدام عمليات القص واللصق، وتقديم البحوث الجاهزة.
واختتم الدكتور علي حديثه بالقول” حتى نواجه هذه الإشكالية والحيلولة دون تفشيها وتحولها إلى ظاهرة فعلاً؛ أرى من الأهمية بمكان الوقوف على جذور المشكلة، فالنتائج ما هي إلا تمظهر لأسباب جذور المشكلة، والتصدي لها ليست مسؤولية المؤسسات التعليمية وحدها فحسب، بل هي مسؤولية مجتمعية ومسؤولية العديد من الجهات ذات الصلة، بما في ذلك الصحافة والإعلام، والجهات التشريعية والرقابية، ومن واقع خبرتي العملية أستطيع القول أن هناك جهوداً تبذل في هذا الصدد، فالتشريعات التي تجرم هذا الممارسات موجودة فعلاً، كما وان العديد من حلقات تعليم مهارات البحث العلمي للطلبة في الجامعة تقدم على مدار العام الأكاديمي من قبل أساتذة متخصصون، غير أن هناك قصوراً في التوعية بمخاطر مثل هذه الممارسات -على ما يبدو-، إذ تبين لي من خلال استطلاع الرأي الذي أجريته أن 65% من المشاركين في العينة لم يطّلعوا على الجزئية التي تشير إلى أخلاقيات البحث العلمي في دليل النظام الأكاديمي للدراسات الجامعية، وأن 64% منهم تقريبا يجهلون الإجراءات القانونية التي يمكن أن تتخذ ضدهم، وعليه لا بد من تكثيف التوعية بمخاطر هذه الممارسات، ثم بعد ذلك لا بد من تطبيق الإجراءات القانونية الصارمة إذا ما أردنا فعلاً الارتقاء بالمستوى العلمي للطلبة حتى لا نشارك في تخريج جيل بشهادات من ورق وهي الذريعة التي غالباً ما يتحجج بها أرباب سوق العمل.”
وأشار عبد الله بن محمد العبري محاضر لغة انجليزية إلى أسباب لجوء الطلبة لشراء بحوث جاهزة أبرزها تأسيس الطالب في مراحل الدراسة قبل الجامعية، في هذه المرحلة يكلف الطالب بعدد من المشاريع والبحوث وجميعها بعيدة كل البعد عن التوصيف العلمي للبحوث، وما يهم المعلم في مرحلة التعليم المدرسي هو تسليم العمل وحسب، ويعطى الدرجة كاملة بغير معرفة مصدر اعداد البحث او المشروع، وكولي أمر أعلم علم اليقين أن معظم الأعمال المسلمة هي نتاج مكتبات تعد المشاريع الجاهزة للطلاب، وبالتالي ينشأ الطالب على الجهل بأهمية البحث ودوره وأن البحوث مجرد قص ولصق ليس الا، أضف الى ذلك انتشار معلمي الدروس الخصوصية – غير المؤهلين – وهم من يقوم بإعداد كل واجبات ومشاريع الطلبة! وبدخول الطالب المرحلة الجامعية ينصدم الطالب بالتكليفات والمشاريع ولا يعلم كيف يتعامل معها ومع غياب دور المعلم في الارشاد والتوجيه يلجأ الطالب الى شراء او سرقة بحوث جاهزة! وأوضح العبري أن هناك معلمين يقومون بدور ناقل المعلومة وصانع الانجاز للطالب، وهؤلاء بفضل الله قلة لكنهم موجودين، وأكثرهم مرافقين لأزواجهم ومن غير عمل وبالتالي يلجأ الى كسب المال من هذه الطرق للأسف، وتوجد الكثير من المصادر التي توفر للطالب – من غير عناء – ما يكلف به من مشاريع وبحوث، وللأسف موافقة وزارة التربية والتعليم على وجود ملخصات للمناهج والأسئلة وتوفرها في المكتبات التجارية مع انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ومن معلمين غير مؤهلين كل ذلك سبب في تكاسل الطالب في التحصيل العلمي وبالتالي لجوئه الى طلب المساعدة. واختتم عبد الله العبري حديثه أنه يجب أن تسن تشريعات وقوانين منظمة ورادعة لكل من الطالب والمعلم وولي الأمر للحد من هذه الظاهرة، مع تكثيف الوعي للطالب عن أهمية البحث العلمي وكيفية أدائه بالطرق المشروعة.