جريدة الرؤية
تُقرع الأجراس، اليوم، في جميع مدارس السلطنة؛ لبدء الفصل الثاني من العام الدراسي 2019- 2020، الذي يأتي مُختلفا بعد أن ودَّعت البلاد معلمها الأول وقائد مسيرتها وباني نهضتها على مدى نصف قرن من الزمان، المغفور له -بإذن الله تعالى- جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- الذي أرسَى قواعد نهضة تعليمية شاملة وفتح آفاق التعليم، ووضعه من أولويات ركائز النهضة التي انتظمت البلاد.
يأتي ذلك ومسيرة التعليم -بجميع مُستوياته في البلاد- تُمثل ركيزة أساسية من ركائز النهضة العُمانية، التي أوقد جذوتها جلالة السلطان قابوس -رحمه الله- إيمانًا من جلالته بأنَّ التعليم والتعلم عملية شاملة وقاعدة أساسية من قواعد النهوض والتقدم.
الرؤية - محمد قنات
وما أدلَّ على ذلك من النطق السامي للسلطان الراحل؛ حين قال: "المهم هو التعليم، وَلَوْ تحت ظلال الشجر"؛ فتلك العبارة البليغة الموجزة في المعنى، المعبِّرة بدلالات لا تقبل التأويل، تُبرهن على صدق الاهتمام السامي بالتعليم، وإيمان جلالته الراسخ بأنه السبيل الأوحد لتقدم الأمة العُمانية، فضلا عن كونه المفتاح الحقيقي للنماء والتطور في المستويات كافة.
وتمَّ ترجمة هذا الاهتمام إلى أرض الواقع من نهضة، وإنشاء مدارس في جميع ربوع السلطنة، ومراجعة المناهج في جميع المستويات، وتهيئة الأجواء المدرسية حتى تساعد المعلمين والطلاب على تحصيل إنجاز أكاديمي بمخرجات تربوية وتعليمية تُسهم بالقدر الكبير في دفع عجلة التنمية.
ووصل عدد المؤسسات التعليمية إلى أكثر من 69 مؤسسة حكومية وخاصة تُسهم مُخرجاتها التعليمية في رفد أسواق العمل في جميع التخصصات.
وتقول الدكتورة فتحية بنت خلفان بن سليمان السدية المديرة العامة للتربية والتعليم بمحافظة البريمي: إنَّ النهضة التعليمية التي شهدتها السلطنة خلال العقود الخمسة الماضية تعود -بعد فضل الله- إلى الفكر المستنير والعزيمة التي لم تعرف يومًا الكلل ولا الملل من قبل المغفور له -بإذن الله تعالى- مولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- الذي آمن ومنذ اليوم الأول لميلاد النهضة العُمانية في العام 1970م بالإنسان العُماني هدفا للتنمية وغايتها؛ لذا كان من مرتكزات بناء الدولة إتاحة فرصة التعليم للجميع.
وأضافت السدية أنَّ النهضة التعليمية في عهد السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- شهدت نقلة نوعية في الكم والكيف؛ فلم يكن في عُمان قبل عام 1970 سوى 3 مدارس فقط، وكانت مقتصرة على الذكور، ولكن جلالته -طيَّب الله ثراه- أدرك أنَّ بناء الدولة العصرية يتطلب جهدَ الرجل والمرأة على حدٍّ سواء؛ لذا كان تهيئة مظلة التعليم في كل شبر من أرض عُمان للجميع في المدينة والقرية، في السهل والجبل.
وتابعتْ السدية أنَّ الرؤية الثاقبة للمغفور له -بإذن الله تعالى- جلالة السلطان قابوس أثمرتْ بأجيال عُمانية متعلمة، نالت النصيب الأوفر من التعليم في جميع مراحله وتخصصاته؛ فشُيدت المدارس في جميع التجمعات السكانية على أرض الوطن شماله وجنوبه شرقه وغربه، وانتشرتْ الجامعات والكليات والمعاهد الحكومية والخاصة، وتبوَّأ الرجل والمرأة الدرجات العلمية العالية، ورافقت المرأة الرجل في مسيرة البناء الشاملة؛ فكانت السفيرة والوزيرة وعضوة في المجالس البرلمانية كالدولة والشورى والمجالس البلدية، والمديرة والطبيبة والمعلمة والمهندسة والمربية، وأصبحتْ عُمان -بفضل الله وبفضل القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد رحمه الله تعالى- في مصاف الدول العصرية.
بدوره، قال مطلوب بن حافظ السالمي معلم أول فيزياء بوﻻية نزوى: لم يَكُن جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- زعيمًا تاريخيًّا له مكانة خاصة، وحفلت حياته بالإنجازات الكبيرة والتحوﻻت الحاسمة والعطاء الكبير، ولعل أكبر هذه الإنجازات هو النقلة والطفرة التاريخية في مسيرة التعليم في السلطنة؛ فمن كلمته التاريخية ﻷبناء شعبه عند بداية النهضة المباركة: "كان باﻷمس ظلام، ولكن بعون الله غداً سيشرق الفجر على عُمان وعلى أهلها".
وأضاف السالمي: من عدد 3 مدارس فقط على مستوى السلطنة إلى نقلة كمية وعددية وصلت بعدد المدارس إلى فوق 1100 مدرسة، وبلغ الطلاب ما يقارب الـ600 ألف طالب وطالبة في مختلف محافظات السلطنة وفي مختلف حلقات التعليم.
وأضاف السلمي أنَّ هذا التوسع دليل على هذه الثورة الكبيرة في مجال التعليم، وأنَّ السلطان الراحل -طيَّب الله ثراه- لم يرد من التعليم أن يكون وسيلة لتثقيف الفرد فقط، بل يُعنى أيضا بتكوين شخصيته، ويساعد في أن تلعب عُمان دورا مهما في الشؤون العالمية، وقوله -طيَّب الله ثراه- بأنَّ اﻷمم ﻻ تُبنى إﻻ بسواعد أهلها، وإن رقيها في مدارج الحضارة والتقدم ﻻ يتم إﻻ عن طريق العلم والخبرة والتدريب والتأهيل، كل هذه الخطوات دليل على مكانة العلم والتعليم العظيمة في فكر وتخطيط جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه.
وتقول ملاك السالمية طالبة فنون جميلة في جامعة نزوى: إنَّ جلالة السلطان قابوس -طيَّب الله ثراه- جعل من العلمِ أول لبنة لبناء عُمان الحديثة، وجعل من العلمِ مشكاةً ترسم طريق عُمان الحديثة؛ ففي أوَّل خطاباته -طيَّب الله ثراه- كان يحث على أهمية العلم والتعلم؛ وذلك يظهر جليًّا في قوله: "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل الشجرة"، فكان يعلم -طيَّب الله ثراه- بأن الأممَ لا تقوم إلا بسواعد العلم وأهله، وأن الأممَ لا ترقى سلم العُلا إلا بتشمير سواعد الحصول على العلم وطلبه.
وأضافت أنَّ لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيَّب الله ثراه- عدة خطابات كان يحث فيها على أهمية العلم؛ ومنها يتجلى قوله رحمه الله: "إننا نولي التعليم جل اهتمامنا، ونسعى لتطويره وتحسينه، ورفع مستواه، وتحديث المعارف وتعميقها، وإثرائها وتكييفها مع عالم دائم التغيير؛ انطلاقا من الأهمية التي توليها السلطنة لتنمية الموارد البشرية، وترسيخ منهج التفكير العلمي، وتكوين أجيال متعلمة تشارك في عملية التنمية، وتتعامل مع المتغيرات والمستجدات المحلية والعالمية بكل كفاءة واقتدار".
وتابعت السالمية: إنَّ من مظاهر اهتماماته -طيَّب الله ثراه- بالعلم تطوُّر البنية الأساسية للمؤسسات التعليمية، فأصبحت المؤسسات التعليمية مُجهَّزة بأحدث التقنيات والأجهزة الحديثة التي تساعد على التجريب والاستقراء والبحث، وتخرِّج أجيالًا بكفاءةٍ عالية تُجابه الكفاءات الخارجية الأخرى، ولها شأن ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل على المستوى العالمي.
وزادت السالمية بأنَّ البحوث التي تخرج من هذه المؤسسات أصبح لها صدى وثقل بين المجتمع الدولي في البحث، وتدفع عجلة العلم العالمي للأمام، والشواهد كثيرة على ذلك لا يختلف عليها اثنان، وتحدث -طيَّب الله ثراه- في إحدى خطاباته عن البنية التحتية للمؤسسات العلمية: "أولت مسيرتنا عناية كبيرة لإنجاز البنية الأساسية في مجالي التعليم والتدريب، وأكملنا بذلك مراحل مهمة؛ حِرصاً منا على إعداد أبنائنا للمشاركة في بناء وتنمية البلاد".
وقالت السالمية: مما سبق نستقرئ أنه ﻻ يكاد يخلو كل خطابٍ من خطابات جلالة السلطان قابوس -طيَّب الله ثراه- من ذكر يحُث فيه على العلم والتعلم، كما أنَّ جلالته -طيَّب الله ثراه- يرى ضرورة بناء الفكر، وأنَّ مُصَادرة الفكر من أكبر الكبائر؛ فيقول -طيَّب الله ثراه: "إنَّ مصادرة الفكر والتدبر والاجتهاد هذه من أكبر الكبائر، ونحن لن نسمح لأحد أن يصادر الفكر أبدا"، فكان جلالة السلطان قابوس -طيَّب الله ثراه- مدرسة تحملُ بين طياتها معاني الحكمة والنور، التي تخرج كل شيءٍ من الظلمات إلى النور.