جريدة الرؤية
الرؤية - مريم البادية
أكّد أكاديميون وخبراء متخصصون في مجال البيئة، أن توظيف تقنيات الطاقة المتجددة في عمليات الإنتاج والتصنيع وغيرها من الاستخدامات، من شأنه أن يسرع وتيرة التحول نحو نماذج الاقتصاد الأخضر المعززة لجهود حماية البيئة وصون موارد الطبيعة.
ودعا الأكاديميون إلى ترسيخ مفهوم الاقتصاد الأخضر في المجتمع، وذلك من خلال تبني السياسات والمبادرات المحفزة للتنمية المستدامة ودعم جهود حماية البيئة، مشيرين إلى أن هذا النوع من الاقتصاد أصبح مطلباً أساسياً وحتمياً لمعظم دول العالم، بغية إيقاف التدهور البيئي المتمثل في تفاقم ظاهرة تغير المناخ والاحتباس الحراري الناتج عن سوء استخدام الإنسان للموارد الطبيعية والإضرار بها.
وقال الدكتور يوسف شوقي يوسف من قسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس إنّ التنمية المستدامة هي الهدف الشامل للمجتمع الدولي منذ مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في عام 1992؛ إذ دعا المؤتمر الحكومات إلى وضع استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة. وأضاف يوسف أنه على الرغم من الجهود التي بذلتها العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لتنفيذ مثل هذه الالتزامات والاستراتيجيات، إلا انه من الضروري ان يكون هناك تعاونا بين المجتمع الدولي والحكومات الوطنية لتحفيذها للحفاظ على البيئة تحت عباءة الاقتصاد الأخضر.
وأوضح أن الاقتصاد الأخضر يعني تحقيق النمو والتنمية المستدامة دون الإخلال بالنظام البيئي، والنهوض بالتنمية وبالتعليم والصحة والبنية الأساسية، مشيرا إلى ان مصطلح الاقتصاد الاخضر يحظى حاليا باهتمام كبير بين العلماء ومنهم المخططين والمهتمين بالدراسات البيئية، في ظل ما تتعرض له البيئة من ضغوط نتيجة لزيادة الانشطة الصناعية والزراعية والتعدينية في الآونة الاخيرة.
ومضى قائلا أنّ الدراسات تشير إلى أن أكثر من مليار شخص يستخدمون ويستغلون البيئة استغلال مجحفا، كما تعاني الحكومات بعض من الأزمات المالية، وتزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مع استمرار الهدر البيئي، والذي يهدد بأن يعيش أكثر من 4 مليارات نسمة حول العالم في أماكن تعاني من النقص الشديد في المياه بحلول عام 2050. وبيّن أنّ من مخاطر الإضرار بالبيئة أنه سيزيد استهلاك الطاقة في الصين والهند بنحو 80%، وهما دولتان تعتمدان بشكل أساسي على الوقود الأحفوري، كما ستزداد الغازات الدفيئة أكثر من الضعف في دول أمريكا اللاتينية، وبنسبة 50% في باقي دول العالم، وهو ما يزيد من درجة حرارة الأرض من 3 الى 6 درجات مئوية بنهاية القرن الحادي والعشرين، وهو ما يؤدي بدوره إلى الكثير من المشكلات والأزمات؛ ومنها: ذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع منسوب سطح البحر، وغرق الكثير من شواطئ العالم.
وأكد يوسف أن أهمية الاقتصاد الأخضر في السلطنة تكمن في الاهتمام بالتنمية الريفية ودعم الاقتصاد الريفي، كما هو الحال في سهل الباطنة وسهل صلالة والقرى والمدن الصغيرة داخل الأودية، كما يتطرق إلى الاهتمام بالمياه وعدم تلويثها أو استنزافها لتقليل مستوى الملوحة فيها، وهو ما تقوم به السلطنة الآن في سهل الباطنة الذي يعاني نسبيا من التملح. وأشار إلى أنّ الاقتصاد الأخضر يتمثل في دعم قطاع النقل الجماعي للتقليل من انبعاثات الكربون، وأن السلطنة بدأت بتلك الخطوة من خلال شركة مواصلات للنقل الجماعي داخل مسقط.
وأوضح الأستاذ بقسم الجغرافيا بجامعة السلطان قابوس أنّ الاقتصاد الأخضر يتصدى لمشكلة النفايات الصلبة والسائلة وتقوم الحملات من قبل وزارة البلديات الإقليمية للحد من تلك المشكلة، وتسعى الحكومة لزيادة الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والاعتماد قدر الإمكان على الوقود الحيوي.
وتابع أن الاقتصاد الأخضر يمتد أيضا للاهتمام بزيادة المساحات الخضراء والتقليل من عمليات الرعي الجائر وانجراف التربة، كما هو في محافظة ظفار، كما يولي الاقتصاد الأخضر اهتماما بالبيئة البحرية والمجال الحيوي فيها مثل الشعاب المرجانية والأخطار الطبيعية والبشرية المهددة لها.
وأكد أن السلطنة أولت اهتماما كبيرا بذلك من خلال دعم المشاريع البحثية بجامعة السلطان قابوس ومنها أحد المشروعات الاستراتيجية الحالية بقسم الجغرافيا للتصدي للمشكلات المهددة للبيئة البحرية وغرق السواحل بسبب النوات والأعاصير المدارية. وأضاف أن السلطنة تولي اهتماما بزراعة نباتات الماجروف على سواحلها لامتصاص أكبر قدر من ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في جذور النباتات والرواسب فيما يسمى بـ"الكربون الأزرق"، وامتد الاهتمام إلى الصيد الجائر وقد وضعت القواعد المنظمة للحد من تلك الظاهرة.
ومن جانبه، قال الدكتور عمر الجابري مساعد العميد للتدريب وخدمة المجتمع بكلية العلوم الزراعية والبحرية بجامعة السلطان قابوس إن الطاقة المتجددة تشكل عاملا جديدا ليس فقط في حماية البيئة ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، بل أيضا تسهم بدور مهم في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، فضلا عن المساعدة في الحد من التلوث البيئي وتقليل الانبعاثات الكربونية. وأضاف أن الطاقة المتجددة تأتي من عدة مصادر؛ أهمها المياه والرياح وأشعة الشمس، وقد حبا الله عمان بموقع جغرافي يهيؤها لاستغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية بشكل يساهم مساهمة نسبية في استخراج الطاقة البديلة.
وتابع القول إنّ تقنيات استخراج الطاقة من المصادر الطبيعية من غير النفط والفحم الحجري أصبحت بتكاليف منخفضة بفضل التقنيات المتقدمة، وباتت منافسا لهذين المصدرين التقليديين للطاقة الكربونية، وأشار إلى أن توجه اقتصاديات العالم والسياسيين إلى التقليل من الانبعاثات الكربونية يأتي نتيجة ازديادها بشكل ملحوظ وتأثيرها على البيئة، ما حتم على الدول انتهاج هذا التوجه.
وبيّن الجابري أنّ ازدياد عدد سكان العالم بشكل ملحوظ مع قلة توفر موارد الطاقة، شكل ضغطا عالميا على المصادر التقليدية للطاقة والذي من خلاله تشكلت تكتلات اقتصادية تسيطر على الأسواق العالمية، وأصبح مما لا شك فيه أنّ هذه الظروف ساهمت في تهيئة المناخ المناسب لاستخدام الطاقة المتجددة كبديل مرافق للطاقة التقليدية، ليس فحسب للتغلب على احتكار هذا النوع من الطاقة كمصدر للإنتاج وللاقتصاد العالمي وإنما أيضا لزيادة التنافس وتحسين جودة الإنتاج ومساهمتها في تقليل التلوث البيئي.
وأضاف الجابري أن الطاقة البديلة تساهم في تقليل التكاليف البيئية وإنتاج "المنتجات الخضراء" وهي منتجات صديقة للبيئة، ويقصد بها كل منتج يتم إنتاجه من خلال التقنيات يساهم في عملية خفض التلوث البيئي؛ حيث إن عمليات خفض البصمة الكربونية تدعم المنتجات الخضراء ويجب تبنيها.
وأكد الجابري أن السلطنة تتميز بقدرتها على تبني الاقتصاد الأخضر نتيجة توفر المناخ المناسب كون أن السلطنة تقع على خط الاستواء، وإطلالها على بحر عمان وبحر العرب اللذين يعدان جزءا من المحيط الهندي مع التيارات الهوائية، والتي تساهم في إنتاج الطاقة التي تأتي من خلال الرياح.
وأبرز الجابري الرواج العالمي الذي تحظى به المنتجات الخضراء، نتيجة الوعي من قبل المستهلكين والذين يرغبون في أن تكون الأرض خالية من التلوث لاستدامة أطول وأيضا من منطلق الوعي والإدراك بأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية. وأوضح أنه يمكن للسلطنة أن تكون مصدرا أساسيا للمنتجات الخضراء، من خلال الانفتاح على الأسواق العالمية، خاصة وأن السلطنة وقعت مع العديد منها اتفاقيات تجارة حرة، مضيفا أن المنتجات الخضراء ذات طابع تنافسي من حيث رغبة المستهلكين في الحصول عليها، ومن حيث إن هذه المنتجات تكون عادة ذات عوائد اقتصادية كبيرة مع توفر مميزات تشجيعية مثل انخفاض الضرائب عليها.
وشدد الجابري على أن التحول الى الاقتصاد الأخضر يتطلب جهدا ووقتا ومالا حتى تكون مساهمة الإنتاج الأخضر مساهمة منافسة للإنتاج التقليدي، وحتما أنّ ذلك أيضا مرتبط بعدة عوامل منها تهيئة المناخ الاستثماري المناسب للاستثمار في المنتجات الخضراء، وأيضا توفر المصادر التي تمنح هذا التوجه القدرة على التكيف مع الظروف المحيطة؛ حيث إن السوق العالمي سوق متقلب ورغبة المستهلكين دائما ما تتغير حسب عوامل اجتماعية واقتصادية. داعيا إلى ضرورة أن تسارع السلطنة لتبني هذا التوجه حتى لا تفقد ميزات هذه السوق الواعدة.
واستعرضت الطالبة آلاء المعمرية مشروعها لتوليد الكهرباء من خلال استخدام توربينات (محركات) أفقية ورأسية على الطرق السريعة، وهو المشروع الفائز بالمركز الأول في جائزة الرؤية لمبادرات الشباب 2018 عن فئة الطاقة المتجددة. وقالت إنّ المشروع أحد الابتكارات التي ستساهم في تسريع وتيرة التحول إلى الأقتصاد الأخضر، وهو عبارة عن توربين رياح يتم تركيبها وسط الطرق السريعة، وتعمل على استغلال طاقة الرياح المنبعثة من سرعة السيارات وتحويلها إلى طاقة كهربائية تستخدم لتشغيل إنارة الشوارع. وقامت المعمرية بتجريب هذا المشروع في شوارع مسقط وعبري، ونتج عن ذلك أنّ استخدام المشروع في شوارع مسقط أفضل منه في عبري، لأنّ عدد السيارات في العاصمة أكبر منه في المحافظات الأخرى، مؤكدة أنّ تطبيق هذا المشروع سيقلل الاعتماد على الطاقة التقليدية ويسرع التوجّه نحو الطاقة النظيفة.