جريدة عُمان
كتبت: رحمة الكلبانية
تساهم المرأة العمانية من خلال عملها جنبا إلى جنب مع الرجل في بناء الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية في شتى المجالات المهنية الهندسية والطبية والتربوية وغيرها. وخلال العامين الأخيرين ارتفعت مساهمة وتواجد الإناث في القطاعين العام والخاص بما نسبته 16 بالمائة و4 بالمائة مقارنة بما كانت عليه في عام 2012. وهناك من النساء العاملات العمانيات من اخترن طريقا غير معتاد واستغلوا ما لديهن من إمكانيات ومهارات حتى أقصاها، وخاضوا تحديات جسيمة، ليصبحوا اليوم مثالا يحتذى به وفخرًا لعمان قاطبة.
وقد أكدت مجموعة من المهندسات العمانيات البارزات في مجالهن بأن الطريق للنجاح لم يكن مفروشًا بالورد، ولم تكن البدايات سهلة، وبأن دخولهن هذا المجال سيطر عليه الذكور لعقود طويلة تطلب الكثير من العزم والثقة والجرأة وتحدي النفس.
تقول المهندسة نذيرة الهنائية، رئيسة الصحة والسلامة بدار الأوبرا السلطانية ورئيسة رابطة المهندسات العمانيات بأن التحديات التي تواجهها المهندسات النساء ليست محصورة في السلطنة، بل وفي الدول المتقدمة أيضًا، وبأنها تبدأ من بداية اختيار الهندسة كتخصص دراسي. فقد درست نذيرة الهندسة المدنية في مدينة ليفربول بالمملكة المتحدة، كطالبة عربية ومسلمة وأنثى وحيدة بين 19 طالبا.
وتحكي الموقف الذي تعرضت إليه في أول يوم لها في الجامعة، وتقول: وصلت إلى محاضرتي الأولى ودخل بعدي مجموعة من الطلبة الذين ترددوا في الجلوس في بادئ الأمر ظنًا منهم بأنهم أخطأوا في القاعة، فلم يسبق لهم أن رأوا فتاة في تخصصهم (تخصص الهندسة المدنية)، حتى أقبل المحاضر علينا وتعجب هو الآخر من وجودي بل وشكك في مصداقيتي مما اضطره للرجوع إلى إدارة الجامعة والتحقق ما ان كنت فعلا مقيدة بالتخصص. عاد المحاضر وعلت على وجهة علامات الغضب ثم قال: “كيف من المعقول أن تكوني في تخصص كهذا!”، ثم تابع “ لا أتوقع لك بأن تكملي للنهاية”.
وعلى عكس السائد، لم تشعر نذيرة بالانزعاج ولم تصدها كلمات المحاضر القاسية واستنكار الطلبة عن هدفها، بل اتخذت من تلك العبارات والنظرات حافزًا لها وتحديًا خاضت أربع سنوات من عمرها لتثبت عكس ما قيل فيها وتوقع منها. حتى جاء يوم تخرجها وقال لها المحاضر بأنه فخور بها ولكم أن تتخيلوا كمية الفرح والاعتزاز التي أحست به نذيرة وقتها.
لم تنته التحديات لدى نذيرة على مقاعد الدراسة بل استمرت حتى وظيفتها الأولى كمهندس فني في مجال الطرق والمواصلات في المملكة المتحدة، وتكرر موقف اليوم الأول من الدراسة مرة أخرى في اليوم الأول من وظيفتها الجديدة. فتاة وحيدة بين مجموعة من الرجال ذوي الخبرة في بلد أجنبي ووضع سياسي عالمي ينتقد الإسلام ويصور المرأة المحجبة بصورة لا تجعلها ترتاح خارج مجتمعها، إلا أنها بالرغم من هذه التحديات مجتمعة استطاعت أن تثبت نفسها في دائرتها والدوائر المجاورة في شركتها، ودخلت كأول فتاة في مشروع إعادة تأهيل نظام الصرف الصحي في مدينة ليفربول البريطانية آنذاك.
وخلال عملها في مجال الطرق والمواصلات، تعرضت المهندسة نذيرة لعدة تحديات تتعلق بالأمن والسلامة، حيث كانت طبيعة عملها تحتم عليها تقييم الطرق والوقوف في منتصفها حتى في أصعب الأيام الماطرة والمتقلبة المناخ. من ثم توالت عليها التحديات الأخرى بعد ترقيها لتكون مستشارة بيئية فقد أصبحت بعدها تتنقل لتشرف على 37 مكتبًا موزعا عبر المملكة المتحدة، يضم أكثر من 11 ألف موظف و50 مشروعًا بيئيًا في الشهر الواحد.
وحتى عند رجوعها للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، واجهت نذيرة صعوبة في التواصل مع أفراد الجهات العسكرية والأمنية والتي كلفت بمهمة تثقيفهم حول تدابير الأمن والسلامة اللازمة ضمن مشروع تدشين الأطر القانونية المتعلقة بنظم الصحة والسلامة البيئية في إمارة أبوظبي، إلا أنها وبالرغم من اختلاف طبيعة بيئة عملهم وصعوبات التواصل معهم نجحت في تدريب أكثر من 7000 موظف، 30 بالمائة منهم فقط كانوا من الإناث.
تبذل نذيرة اليوم جل جهدها لإيجاد بيئة صحية وآمنة لجميع عاملي ومرتادي دار الأوبرا السلطانية بمبانيها المتعددة، وهي مهمة لاتخلو من المخاطر والتحديات الأمنية. تقول الهنائية بأن عدد مرتادي الدار والعاملين بها يصل في بعض الأيام ل 2500 فرد وهنا يكمن التحدي الأكبر وهو بالطبع التأكد من دخولهم وخروجهم من المبنى سالمين.
وعند سؤالها حول مقاومتها لجميع هذه الصعوبات والتحديات، أجابت المهندسة نذيرة الهنائية بأنها لم تعد ترى المواقف التي تعترضها صعوبات بعد الآن بل هي من وجهة نظرها “دروس” تتعلم منها، ووحدات طوب ساعدتها في بناء الجسور التي تنقلت عبرها إلى فرص أكبر. وعلى عكس السنوات الأولى من حياتها حين كانت تنظر إلى التحديات في حياتها بكل سلبية وتشاؤم أضحت نذيرة اليوم تنظر إلى نصف الكوب المملوء دائمًا وإلى الحياة بكل تفاءل.
أما بالنسبة للمهندسة أحلام المجرفية، والتي تشغل وظيفة مدير عام بمعهد جلفار فبدأت التحديات بعد أن واجهت ظروفا صحية منعتها من الحصول على النسبة التي تؤهلها للحصول على منحة دراسية، إلا أنها وبدعم وتشجيع والدها استطاعت الالتحاق فيما بعد بكلية كالدونيان لدراسة الهندسة بالرغم من المخاوف التي تكونت لديها عن التخصص نتيجة ماتسمعه من المحيطين بها، وعلى الرغم من ترديدهم لعبارات مثل: “التخصص صعب”، و “لن تستطيعي”، تمكنت المجرفية من الحصول على شهادة البكالوريوس علوم الهندسة مع مرتبة الشرف بل والماجستير من جامعة السلطان قابوس.
في بداية حياتها المهنية وجدت المهندسة أحلام العمل صعبا ضمن فريق وحضور اجتماعات يغلب عليها المهندسون فقط في العمل والادارة، وهو الأمر الذي حال بينها وبين التعبير عن ذاتها وأفكارها ومقترحاتها، حتى استطاعت فيما بعد أن تصبح في منصب قيادي وتدير مجموعة كبيرة من الموظفين.
وبشكل عام تقول المهندسة أحلام بأن العمل في القطاع الخاص بشكل عام يخلق تحديًا كبيرًا لدى المهندسين العمانيين وهو تحدي المنافسة ما بينهم وبين المهندسين الوافدين، الذين في العادة تعطى لهم الثقة الأكبر وتوكل إليهم المهام الاهم، ويصبح بالتالي من الصعب اثبات قدرات الكادر العماني خاصة وأنه يعتبر تهديدًا بالنسبة للوافد مما يدفع الآخر إلى تهميشه بشكل أكبر.
وبالإضافة إلى التحديات الشخصية والإدارية تضيف المهندسة أحلام بأن الوضع الاقتصادي الأخير الذي مرت به السلطنة نتيجة أزمة انخفاض أسعار النفط في العالم أدى إلى تأثر الكثير من الأنشطة والمشاريع بل وتوقف بعض المراكز التدريبة الأخرى المماثلة للمركز التي تديره، إلا انها استطاعت وبالتعاون مع فريق عملها أن يبقوا على استمرار عملهم وتقول: “ من الواجب علينا أن نستغل التحديات دائمًا في التحسين والتطوير من ذواتنا”.
وأكدت المهندسة ماهرة البلوشية والتي تعمل كمهندسة معدات دوارة بشركة عمان إل. أن. جي بدورها على أن التعبير عن الذات ومشاركة الأفكار والمقترحات في الفترة الأولى في بيئة العمل لم تكن سهلة بل تحتاج إلى وقت وبناء ثقة عالية بالنفس.
وتضيف: إن أكثر ما كان يزعجني في بداية حياتي المهنية هو قلة ثقة المرؤوسين بي وعدم مساواتي بزملائي الذكور، حيث م تكن توكل لي آن ذاك مهام في صلب تخصصي وانما كان يطلب مني تخليص بعض الأعمال المكتبية المتعلقة بالمستندات بالرغم من طلبي والحاحي الدائم بالحصول على مهام هندسية أكثر تخصصًا وأن أخرج إلى ميدان العمل، إلا أنني بالعمل المتواصل أثبت نفسي بين مرؤوسي واستطعت الدخول للمهام التي كنت أطمح إليها.
وأوصت ماهرة المهندسات المستجدات والخريجات خلال فترات التدريب بالذهاب بتجربة العمل الميداني لكسر الخوف الناشئ لديهن والتخلص من الأفكار السلبية التي عادة ما تكبل ايديهن وتمنعهم من اكتشاف ذواتهم وما يستطعن فعله والوصول إليه حقًا. وأضافت: أوصي المسؤولين وأرباب العمل بإجراء مقابلات عمل منصفة ينظروا خلالها إلى المؤهلات والخبرات لا جنس المتقدم، وأن يقدموا للمهندسات الإناث فرصة القيام بمهام في صلب تخصصها لا مهام مكتبية بعيدة عن مجالهن.
مؤكدة على صعوبة التعبير وإبداء الرأي في بيئة العمل الذكورية، تقول فاطمة الشنفرية، مهندسة عمليات في شركة صلالة للميثانول بأنها كانت واحدة من أربع فتيات وسط أكثر من 180 مهندسا، وبأنها احتاجت لاكتساب القوة والجرأة وثقة عالية بالنفس لإيصال صوتها وللتعبير عن ذاتها وأفكارها ومقترحاتها وإثبات جدارتها أمام سقف التوقعات المنخفض الذي وضع لها.
وتقول الشنفرية بأنها في الفترة الأولى من التحاقها بالعمل لاحظت بأن من حولها من الذكور لم يكونوا على دراية بالكيفية التي يجب عليهم أن يعاملوا بها المهندسات الإناث وما هي نوعية المهام التي من الممكن أن تسند إليهن أو تتناسب مع طبيعتهن وبالتالي لم تكن هناك ثقة من المرؤوسين لإسناد أي مهام أو مسؤوليات للكادر النسائي في الشركة، إلا أننا استطعنا لاحقًا أن نثبت بأننا قادرات على تحمل المسؤولية ومشاركة زملائنا الذكور في الأعمال التي تناط إليهم بشكل مماثل.
وأضافت أنه من المهم تسهيل عملية انتداب المهندسات في الشركات المختلفة في السلطنة لإكسابهن المزيد من المهارات والخبرات، فعلى عكس المهندسين الذكور الذين يتمكنون من التنقل بين الشركات بسهولة تامة نتيجة لشبكة معارفهم الواسعة فإن حركة المهندسات الاناث محدودة بالتسهيلات التي تمنح إياها من جهة عملها فقط.
وحول الوعي المجتمعي لنوعية المهام التي تقوم بها المهندسات العمانيات ولفهم طبيعة عملهن عن قرب توصي المهندسة فاطمة الشنفرية وسائل الإعلام المختلفة بضرورة التركيز على برامج وموضوعات تتناول أمثلة لمهندسات عمانيات وأخذ المشاهد للتعرف على ما يقمن به من إنجازات عن قرب.
وفي الختام أوصت الشنفرية بضرورة التعلم واكتساب مهارات جديدة عن طريق كسر الحواجز والخروج من دائرة الراحة التي عادة ماتحيط المهندسات والعاملات بشكل عام بها أنفسهن، وتضيف : “فقط عندما نتحدى أنفسنا ونخرج من دائرة الراحة نستطيع أن نتعلم ونصل إلى مستويات مهنية أعلى”.