جريدة عمان
قالت الدكتورة رحمة بنت إبراهيم المحروقية نائبة الرئيس للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة السلطان قابوس: «إن الخطة التنفيذية الحالية التي انبثقت عن الخطة الاستراتيجية طويلة الأمد لجامعة السلطان قابوس 2016-2040 مبنية على أهداف متعددة وطموحة جدا وكثير منها يتصف بالاستمرارية ومنها السعي لزيادة التمويل للبحث العلمي والتوسع في إيجاد شراكات مع القطاعات المختلفة في السلطنة، والتعاون مع جامعات العالم المرموقة والمراكز البحثية ذات الصيت القوي في البحث العلمي والابتكار».
وقالت في حديثها لـ «عمان»: «نحن نعول على القطاعين الحكومي والخاص كثيرا في خططنا واستراتيجياتنا ونحتاج إلى تكامل الجهود بين هذه القطاعات والجامعة التي لديها الكثير من الموارد والخبرات، وأصبحت كما أراد لها باني نهضة عمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بيت خبرة يعتد به، مشيرة إلى أن من بين ما يتم التخطيط له التوسع في الشراكات البحثية ودعم الدراسات العليا والابتكار ونقل التكنولوجيا وريادة الأعمال مع القطاعات الحكومية والخاصة، وإنشاء مجموعات بحثية تعاونية من أجل توحيد جهود الباحثين، وإعطاء الأولوية للبحوث العلمية ذات الابتكار في التمويل، وتطوير خطة بحثية للاستجابة للأولويات الوطنية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى تنظيم منتديات نقاشية حول ثقافة البحث العلمي، وتوسيع الكراسي البحثية الممولة خارجياً، والتوسع في الحصول على تمويل خارجي محلياً وإقليمياً، بالإضافة إلى التوسع في الأبحاث التعاونية مع مؤسسات أكاديمية وبحثية مرموقة، والتكامل مع القطاعات المختلفة في سوق العمل، والسعي الى زيادة التمويل للبحث العلمي والابتكار والدراسات العليا لما لهذه الجوانب من قدرة على المساهمة في إيجاد تنمية مستدامة في السلطنة».
وحول المراكز البحثية المتخصصة بجامعة السلطان قابوس أوضحت الدكتورة رحمة بأن «تلك المراكز لها دور كبيرٌ وواضح على أصعدة عدة، وإذا خصصنا الحديث عن تنويع مصادر الدخل بالسلطنة؛ فإنه يمكن القول وبكل فخر بأن هذه المراكز البحثية استطاعت الإسهام في الدخل القومي للسلطنة بشكل مباشر وغير مباشر، فالدراسات والبحوث التي أجريت عالجت مشكلات كانت موجودة تستنزف أموالًا طائلة، كما أن بعضها خلص إلى آليات جديدة أصبحت أكثر كفاءة وأقل تكلفة، وصحح بعضها أخطاء سابقة وهو ما نتج عنه تقليص في الإنفاق أو في الخسائر، إلى جانب الدراسات التي اقترحت مشاريع تنموية وأخذت بها الجهات المعنية، وغيرها من الإسهامات التي تصب جميعها في تنمية الدخل القومي للسلطنة.
وأوضحت أنه يوجد بالجامعة اثنا عشر مركزا بحثيا قائما ويقام بها جميعا حاليا دراسات حيوية، مشيرة إلى أنه قد تم تأسيس مركز البحوث الطبية ومركز الابتكار ونقل التكنولوجيا اللذين نخطط لبدء أنشطتهما خلال فصل ربيع 2018، كما أن هناك مركز أبحاث علوم الأرض ومركز أبحاث الطاقة المستدامة وقد شارك مديرو المركزين في برنامج «تنفيذ».
ولمركز أبحاث علوم الأرض علاقة وطيدة بالهيئة العامة للتعدين وله دور فاعل من خلال اللجنة المشتركة بين الجامعة ووزارة التجارة والصناعة، ويعمل مركز أبحاث الطاقة المستدامة متعاونا مع شركات نماء القابضة وبعض شركات الكهرباء، كما يتعاون مع الهيئة العامة للكهرباء والمياه وغيرها من المؤسسات.وأضافت: إن لمركز أبحاث تقنية النانو أبحاثا مهمة في مجال تحلية المياه غيرها وقد قدم استشارات بحثية لبعض الشركات والمؤسسات، بالإضافة إلى مركز البحوث والدراسات البيئية الذي له صلة وثيقة بوزارة البيئة والشؤون المناخية ويعمل معها في وضع الاستراتيجيات المتعلقة بالمناخ والاحتباس الحراري وغيرها، ومركز الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، الذي قام بدراسات حول التصحر وانحسار الغطاء النباتي عن بعض المناطق، كما عمل متعاونا مع وزارة الزراعة والثروة السمكية في مشروع استراتيجي يتعلق بالاستزراع السمكي، ومركز الدراسات العمانية الذي يتعاون بشكل وطيد مع عدة جهات حكومية منها وزارة التنمية الاجتماعية وديوان البلاط السلطاني، ومركز رصد الزلازل الذي قام بعدة دراسات لوزارة الدفاع وغيرها من المؤسسات ومركز البحوث الإنسانية الذي يتعاون مع مؤسسات ولجان وطنية عدة، ومركز أبحاث المياه الذي قدم العديد من الدراسات لعدد من الوزارات كوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، ومركز أبحاث النفط والغاز الذي له تعاون ملموس وتاريخي مع شركات النفط والغاز أبرزها شركة تنمية نفط عمان ومركز التميز للتقنية الحيوية البحرية، الذي يتعاون مع وزارة الزراعة والثروة السمكية، ومركز أبحاث الاتصالات والمعلومات الذي يتعاون مع الشركة العمانية للاتصالات عمانتل وهيئة تنظيم الاتصالات وهيئة تقنية المعلومات.
وقالت المحروقية: «يوجد في جامعة السلطان قابوس مجموعة من الكراسي البحثية، وقد كانت الجامعة تحتضن كرسـي في تقنيـة النانـو لبحـوث تحلية المياه الممول مـن مجلـس البحـث العلمـي الذي تحول الآن إلى مركز بحثي مستقل، وتمثل هذه الكراسي أهمية كبيرة للمسيرة البحثية في الجامعة بشكل خاص وللسلطنة بشكل عام سواء من حيث البحوث والدراسات التي تجرى من خلالها، أو إسهامها في تدريب الأكاديميين والطلبة والباحثين وتأهيلهم وصقل مهاراتهم البحثية، وبالنسبة لزيادة عدد الكراسي، فقد أعددنا العديد من المقترحات في مجالات مختلفة ونأمل أن نجد لها التمويل من القطاعات ذات الصلة».
وأكدت أن المجال مفتوح لمن يرغب في استحداث كرسي جديد في الجامعة وسيقوم المختصون بتطوير مقترح الكرسي الذي عادة ما يحمل اسم الجهة الممولة، موضحة أنه فيما يخص كرسي التنقيب عن المعادن كان لدينا مقترح جاهز في هذا المجال ونأمل أن نجد له تمويلا من أحد الجهات بإذن الله.
وأضافت نائبة الرئيس للدراسات العليا والبحث العلمي بجامعة السلطان قابوس: «برغم التحديات المالية الموجودة فقد حققنا الكثير بل إننا حققنا إنجازات تتعدى الخطة التنفيذية الحالية، ومن أبرز ما تم تحقيقه في مجال البحث العلمي بالجامعة إنشاء 3 مراكز بحثية متخصصة في مجالات مختلفة، وإنشاء كرسيين بحثيين أحدهما تموله غرفة تجارة وصناعة عمان والآخر تموله المؤسسة العامة للمناطق الصناعية، وتأسيس مركز الابتكار ونقل التكنولوجيا، بالإضافة إلى توسعة برامج التمويل البحثية، والحصول على عقود استشارات جديدة من مؤسسات خاصة كبعض الشركات ومن القطاع الحكومي كديوان البلاط السلطاني ومن منظمات عالمية كمنظمة الفاو وصندوق الأمم المتحدة للسكان وتوقيع اتفاقيات وعقود في هذا الشأن، وتطوير شراكات بحثية مع قطاع الصناعة متمثلة في اتفاقيات برامج التمويل البحثي مع شركة بي بي عُمان وشركة عمانتل، كما تم تطوير شراكات بحثية مع جامعات ومراكز محلية كجامعة نزوى والمركز الوطني للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية بمجلس البحث العلمي، وتنظيم محاضرات وحلقات عمل للباحثين المتميزين للاستفادة من خبراتهم، كما تم تنظيم ملتقيات للمشاريع البحثية الممولة لنشر نتائج البحوث في المجتمع، وتكثيف التواصل مع سوق العمل بقطاعاته المختلفة، بالإضافة إلى تطوير المجلات العلمية بالجامعة وإدراجها في العديد من قواعد البيانات العالمية.
وحول الحديث عن التحديات التي تعرقل البحث العلمي أوضحت الدكتورة رحمة أن هناك تحديات خارجية مرتبطة بالمجتمع ومؤسساته المختلفة، وأخرى داخلية مرتبطة بالجامعة، ومن ضمن التحديات الخارجية على سبيل المثال أن بعض من المؤسسات الحكومية والخاصة لا تُعطي البحث العلمي الأولوية الكافية ولا الدعم المالي الكافي ولا تعتبر البحث العلمي مهما لعملية التنمية الاقتصادية المستدامة، ولذا فهي لا تساهم في تمويل أبحاث قد تساعد في النهوض بقطاعات عدة وتؤدي إلى تطويرها وجعلها أكثر كفاءة، وعزوف هذه المؤسسات عن تمويل البحوث التي تقع تحت اختصاصها يؤدي إلى بطء تطور عمل هذه المؤسسات، ويشكل عقبة أمام الباحثين في تطبيق أفكارهم البحثية على أرض الواقع.
وأضافت: إن التحديات الخارجية تتمثل أبرزها في تخفيض التمويل لمجلس البحث العلمي الذي كان رافدا قويا لتمويل المشاريع البحثية لباحثي الجامعة وأكاديميها فأصبح التمويل الخارجي شبه معدوم- من غير موارد الجامعة-، ومن العوامل الخارجية أيضا التي أثرت سلبا على البحث العلمي والابتكار بالجامعة، تأجيل طرح مناقصة مجمع المراكز البحثية في عام 2016 وجاء هذا كعائق كبير في تطوير العمل البحثي في هذه المراكز البحثية، وخاصة بعد أن نما عددها إلى 13 مركزا بحثيا، وأضيف إليها حديثا مركز الابتكار ونقل التكنولوجيا.
أما على المستوى الداخلي، فأشارت إلى أن الجامعة تعاني من محدودية مواردها المالية المخصصة لتمويل البحوث العلمية، كذلك فإن إيقاف الترقيات في الجامعة في الفترة الأخيرة أدى إلى أن تعاني الجامعة من قلة عدد الباحثين والتقليل من الإنتاج البحثي والعلمي، ونأمل أن يتحسن التمويل للبحث العلمي والابتكار في الأيام القادمة حتى لا يضر الوضع الحالي برتبة الجامعة في التصنيف الدولي وحتى لا تخسر كوادرها البحثية المميزة بسبب قلة التمويل وانقطاع الترقيات الأكاديمية.
وأكدت الدكتورة رحمة المحروقية أنه في العام الحالي تم اعتماد ستة مشاريع بحثية استراتيجية تتعدد مجالاتها، ومن أبرزها دراسة الكشف المبكر للمصابين بمرض الكوليسترول الوراثي وعائلاتهم في سلطنة عمان، ودراسة وتطوير تطبيقات لها بعد تجاري مبنية على تقنية الجرافين للتغلب على بعض التحديات في مجالي الطاقة والبيئة بسلطنة عمان، وتقييم مشاريع الشعاب الاصطناعية بمحافظة الباطنة وفعاليتها في تعزيز إنتاجية مصايد الأسماك، وتصميم مؤشر وطني للتحصيل في القراءة والرياضيات لتلاميذ الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في سلطنة عمان: نحو تحسين نواتج تعلم التلاميذ، وإعادة تصميم برامج إعداد المعلم في سلطنة عمان في ضوء المؤشرات الوطنية للأداء « والمعايير الدولية والنماذج المثالية».
وأوضحت أن المكرمة السامية تقوم بتمويل المشاريع البحثية الاستراتيجية بعيدة المدى، التي تمثل أهمية بالنسبة للسلطنة وتهدف هذه المشاريع البحثية إلى إنتاج المعارف الجديدة، والاكتشافات التي تعود بفوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة على المجتمع العماني على المدى البعيد، وفي هذا النوع من المنح، يتوقع من الباحثين التوصل إلى نتائج أساسية وتحديد العائدات المتوقعة من نتائج هذه البحوث، كما يتوقع أن تساعد هذه البحوث الجامعة في بناء بنية أساسية «لمراكز التميُّز» في المجالات الحيوية، إضافة إلى تقديم مساهمة حقيقية في تطوير البرامج الأكاديمية في الجامعة، كما أن هذا النوع من البحوث ينبغي أن يتماشى مع أهداف الخطط التنموية البعيدة المدى للسلطنة.
كما أكدت أن جامعة السلطان قابوس حصلت خلال السنوات الثلاث الماضية على 11 براءة اختراع من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع من باحثين وإداريين وطلبة من الجامعة منها ثلاث براءات في العام الحالي 2018، وتضمنت الاختراعات مجالات مختلفة :مجال المكتبات، الهندسة الإلكترونية وهندسة الاتصالات، والهندسة الميكانيكية، وتكنولوجيا النانو، وتكنولوجيا الغذاء ، والطب وعلم الأدوية.
واختتمت الدكتورة رحمة بنت ابراهيم المحروقية حديثها قائلة « ولله الحمد فإن استفادة المجتمع العماني من جهود البحث العلمي في الجامعة لها أوجه متعددة وبشكل مباشر وغير مباشر، فهناك دراسات بحثية نتج عنها مراكز خدمية، وأخرى تغيرت قوانين بسببها، وبحوث أخذ بنتائجها وتوصياتها جهات حكومية وخاصة فأدى ذلك إلى تجويد خدمتها وتبسيطها، كما أن الاستشارات البحثية التي تقدمها الجامعة للمؤسسات المختلفة تؤتي ثمارها ويكون انعكاسها إيجابًا على المجتمع بشكل محسوس وغير محسوس، والخلاصة أن البحث العلمي في الجامعة ينطلق في الأساس لتطوير القطاعات المختلفة لسوق والعمل وخدمة للمجتمع العماني وسعيا إلى إرساء دائم للتنمية المستدامة في السلطنة، ونقلها إلى أن تكون مجتمعا منتجا للمعرفة ومساهما عالميا في تطوير قطاعات حيوية في الصناعة والزراعة والتعليم ونحن ماضون في سبيل تعزيز ذلك بشكل أكبر في قادم الأيام إن شاء الله.