جريدة الوطن
تشكل وسائل التواصل الاجتماعي في عصرنا الحاضر أهمية كبيرة لمختلف شرائح المجتمع ، وباتت جزءاً من حياتهم اليومية ، ولم يعد استخدامها مقتصراً على فئة عمرية معينة ، بل يطالها الصغير والكبير ، ومعها انجرف الأطفال نحو استخدام بعض الأدوات الإلكترونية التي تحتوي على بعض البرامج الاجتماعية، وأثرت على تنشئتهم وتحديدا مع دخول الشبكة العنكبوتية في الأجهزة المحمولة، كما أصبحوا يمتلكون مهارات تفوق تلك التي يمتلكها آباؤهم، الأمر الذي أثار مخاوفهم نحو فلذات أكبادهم ، وعليه يظهر هذا الاستطلاع مدى إدراك العواقب المترتبة على استخدام الأطفال لوسائل التواصل الاجتماعي ومعرفة الحلول التي تجنبهم آفاتها.
بداية يقول محمود بن سعود البلوشي : هذه الوسائل وتطبيقاتها وأدواتها المختلفة غزت حياتنا اليومية وأثرت على الأطفال، وأصبحت الأجهزة اللوحية المربوطة بالإنترنت كالآيباد لا تفارق أيديهم ، وما إن تقدم على نزع هذه الأجهزة من أيديهم حتى يعمدوا إلى البكاء، موضحاً بأن استخدامها بشكل مفرط يولّد فتورا في العلاقة بين الآباء والأبناء، وتسهم في تعطيل كثير من النشاطات المهمّة كالتركيز والمطالعة وممارسة الرياضة.
وتبين فاطمة بنت علي المجينية باحثة قانونية بالأمانة الفنية للجنة الوطنية لشؤون الأسرة بأن الدراسات الحديثة قد توصلت إلى أن الأطفال يتعرضون لخطر عاطفي كبير بسبب وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضحت بأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عاماً يشعرون بقلق متزايد إزاء صورتهم ومظهرهم على الإنترنت ، مشيرةً إلى أن بعض الأطفال أصبحوا مدمنين على خاصية الإعجاب على المنشورات والصور الموجودة في مواقع الـ” فيسبوك ” و ” انستغرام” والتي تمثل بالنسبة لهم نوعاً من القبول الاجتماعي.
وقالت المجينية : إن استخدام الأطفال لهذه الوسائل ولساعات طويلة تؤثر على العلاقات الأسرية والاجتماعية، وتتسبب في سوء التغذية الصحية، كما تؤثر بشكل كبير على تأخير النطق لديهم.
ويؤكد خالد بن محمود البلوشي موظف في القطاع الخاص : لكل وسيلة من هذه الوسائل إيجابيات وسلبيات، ويستخدمها الإنسان بالكيفية التي تحلو له، ومن هذه الوسائل التي كان لها تأثير ملحوظ خلال السنوات الماضية ما يعرف بوسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها وأنواعها؛ حيث قربت هذه الوسائل بين الأشخاص المتباعدين جغرافيا ، وجعلت العالم يبدو كقرية صغيرة من حيث سهولة التواصل وتبادل المعلومات والخبرات.
وأضاف بأنه رأى من استخدام هذه الوسائل مفارقات عجيبة وغريبة فأصبحت تحكي للقريب والبعيد الحال الذي يقع في المنازل والأسر كالحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة من خلال الصور التي توضع في الحالة “البروفايل” وما يكتب في ”البرودكاست” حيث تعبّر هذه الصور والكتابات عن كل ما يدور في هذه الأسرة من فرح وحزن ، بل ما يزيد الطين بله أن نرى ما يدور في الغرف المظلمة ، والتي هي من المحرمات شرعا وعرفا وتتنافى مع الأخلاق والقيم التي تربينا عليها وتتعارض مع كل العادات والتقاليد الإسلامية.
وأشار خالد إلى أن استخدامنا لهذه الوسائل يتركز كثيرا على جوانب سلبية كالبحث عما يشبع الغرائز الجنسية والعاطفية والتعارف بين الجنسين ، وكأن هذه الوسائل اخترعت لهذا الأمر ، كما أسهمت في تغيير منظومة القيم الاجتماعية ، وعززت الرغبة والميل للوحدة والعزلة للمراهقين والشباب، مما يقلل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والانفعالي الصحي الذي لا يقل أهمية عن النمو المعرفي وحب الاستطلاع والاستكشاف.
وختم البلوشي قائلا: نسمع يوميا عن حالات يتم فيها التهديد باستخدام صور فتيات أو أطفال وضعت على ”بروفايل ”تطبيق” الواتس أب” وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي وما يحصل من تهديد يزداد يوما بعد يوم فمثل هذه القصص نسمعها عشرات المرات وبحيثيات مختلفة، ولكن جميعها تدل على أن هنالك انتقاص لمنظومة القيم والأخلاقيات وإساءة استخدام التكنولوجيا، والتي لا بد وأن تقابل بالمكاشفة وعدم السكوت واللجوء للقضاء لمعاقبة كل من تسول له نفسه التطاول على حرية الآخرين وخصوصياتهم وابتزازهم، وأن هذا السلوك المشين لا يخرج عن أطار التحرش المسيء معنويا ونفسيا، وإن إساءة استخدام الصور والابتزاز بشأنها جريمة يعاقب عليها القانون.
ويشير عبدالله بن إبراهيم البلوشي بأن التطور والتقدم في أي من مجالات الحياة لابد له من ضريبة “وبالأخص” في مجال التكنولوجيا التي لها من الفوائد الجماء وفي ذات الوقت شكلت هاجساً كبيراً لدى كثير من أفراد المجتمع أثر الاستخدام الخاطئ والذي أثر على العلاقات الاجتماعية والأسرية، كما أوضح بأن المفارقة الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي أنها حققت قدراً كبيراً من تواصل الأفراد مع بعضهم البعض خاصة البعيد منهم، إلا أن علاقات القربى باتت تنطفئ حيث أصبحت العزلة أو الحضور الغائب هي السمة الغالبة على العلاقات الاجتماعية أو الأسرية في المحيط الواحد ، واستبدلت بأزرار تضغط على جهاز الهاتف والانشغال بحوارات في العالم الافتراضي بدلا من الواقعي، وعليه أصبح الأب منشغلا بهاتفه عن زوجته وأبنائه بل وكل فرد من أفراد الأسرة منكب على عالمه الافتراضي .
وحول الاستخدام الصحيح لهذه الوسائل يقول عيسى بن درويش موظف حكومي بأن هذه الوسائل نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى يجب على الانسان أن يشكر خالقه عليها، وذلك بحسن استخدامها، مشيراً الى أن هناك العديد من الحلول لتجنب المشاكل المترتبة على استخدام هذه الوسائل كعدم إبراز الصور الأسرية في الحالة ”البروفايل” تجنبا للعين والحسد، وتجنب تصوير الصالح والطالح من الصور والتباهي بها فأعين الناس لا ترحم، وذلك عملاً بأمر الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بقضاء الحوائج بالكتمان، ويجب على كل رب أسرة تلقين أولاده بضرورة المحافظة على سرية الصور العائلية وتنبيههم بخطورة نشرها، بالإضافة إلى مراقبة الصغار وما يتم تداوله بينهم.
وأكد محمد بن محمود البلوشي بأن هناك عددا من الخطوات التي يمكن أن تساهم في حماية الأطفال من أخطار مواقع التواصل الاجتماعي كالحديث معهم ـ بشكل دوري ـ لأجل بناء جسور الثقة معه ، ومتابعتهم المستمرة أثناء استخدامهم الأنترنت، وإعطائهم النصائح المستمرة حول كيفية استخدام هذه الوسائل بشكل صحيح، وتبصيرهم بمخاطر هذه المواقع وتداعياتها على الأسرة، كما يظهر أهمية منح أوقات معينة وبساعات محددة لاستخدام هذه الشبكة ومواقع التواصل، إلى جانب أهمية عدم الإغفال عن تقديم بعض الإرشادات حول فوائد هذه التكنولوجيا ودورها في تطوير مهارات الطفل التي تساعد في تنمية مواهبه أو دعمه بالمعلومات اللازمة.