جريدة الوطن
تعتمد استدامة الزراعة في السلطنة على الاستخدام الحكيم للمياه الجوفية النادرة؛ إذ ارتفع إجمالي الطلب على المياه الزراعية بنسبة 3.3 ٪ سنويا خلال الفترة من عام 2000م إلى عام2011م وهو ما صاحبه إفراط في استخراج المياه الجوفية من 285 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 316 مليون متر مكعب في عام 2011م، مع مستويات مقلقة من تسرب مياه البحر في المناطق الساحلية.
وفي الماضي تم تنفيذ العديد من التدابير للتخفيف من الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية، مثل نشر تكنولوجيا توفير المياه بين المزارعين، وبناء السدود لتغذية المياه الجوفية، وتشجيع إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة لري المساحات الخضراء في المدينة، ونقل كبار المنتجين للأعشاب عالية الاستهلاك للمياه إلى منطقة نجد، ومع ذلك استمرت مستويات المياه الجوفية في الانخفاض، وازداد تداخل مياه البحر بشكل كبير في معظم المناطق الساحلية، وفي هذا الصدد أجرى الدكتور سليم بن محمد زكري من كلية العلوم الزراعية والبحرية دراسة حول مراقبة المياه الجوفية باستخدام عدادات المياه الذكية للطاقة والري الدقيق أثمرت عن عدة نتائج.
ويكمن السبب الرئيسي للمشكلة في أن المياه الجوفية هي في الواقع مورد مفتوح ومجاني الوصول إليه؛ مما يؤدي إلى الإفراط في استخدامها من قبل المزارعين والأفراد.
وسابقًا حثت وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه على تنظيم الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية عن طريق تحديد كمية المياه الممكن استخراجها من كل بئر مصرح به منذ عام 2000م، وذلك عن طريق إقناع أصحاب الآبار بتركيب عدادات المياه، لكن لم يتم ـ حتى الآن ـ تنفيذ هذا القانون، بسبب ارتفاع تكلفة عدادات المياه الميكانيكية التقليدية، فضلًا عن غياب الدراسات المتعلقة بحقوق المياه الجوفية والحصص لكل المزارعين.
وقال الدكتور سليم بن محمد زكري من كلية العلوم الزراعية والبحرية بجامعة السلطان قابوس: إن المعطيات التي ادت إلى القيام بهذه الدراسة هي تداخل مياه البحر في اليابسة بمحافظتي شمال وجنوب الباطنة إلى مستويات تجاوزت 12 كيلومتراً في بعض المناطق، وهذا التداخل أدى إلى تدهور نوعية المياه الجوفية مما أدى بدوره إلى إغلاق العديد من المزارع بسبب ملوحة المياه الجوفية مما أثر سلباً على الإنتاج الزراعي في محافظتي شمال وجنوب الباطنة إذ تمثل هاتين المحافظتين 50% من المساحة المزروعة في السلطنة، وتأثرت الباطنة بشكل كبيراً جراء تداخل مياه البحر وتملح المياه الجوفية جراء سوء استخدام الموارد المتجددة.
وأشار إلى أن الدراسة قامت بها الجامعة بالتعاون مع وزارة الزراعة والثروة السمكية ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه بالإضافة إلى جمعية العمانية للمزارعين، ومنذ الوهلة الأولى للدراسة تواصلنا مع الجهات المعنية لتعزيز التعاون الذي يهدف إلى الاستفادة من المعطيات ومخرجات الدراسة لتطبيق نتائجها، واشتملت المرحلة الأولى على التنسيق مع وزارة الزراعة والثروة السمكية، ووزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه، والجمعية العمانية للمزارعين، بالإضافة إلى التعاون بين كلية العلوم الزراعية والبحرية وكلية الهندسة بالجامعة ومؤسسة خاصة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتمويل من مجلس البحث العلمي، واستمر التعاون لمدة 4 سنوات تقريباً، وأثمرت عن النتائج التي خرجت بها الدراسة .. مشيراً إلى أن الدراسة حول مراقبة المياه الجوفية باستخدام عدادات المياه الذكية للطاقة والري الدقيق هي دراسة علمية متقدمة خرجت بمجموعة من النتائج أهمها أنه لا يمكن مواصلة استعمال الموارد المياه بالطريقة الحالية بدون وضع عدادات المياه الذكية على آبار المياه الجوفية، وإذا ما وصلنا السير على النهج السائر في استخدام الموارد المياه فإن 50% من المزارع في محافظتي شمال وجنوب الباطنة ستنتهي في المستقبل، أما إذا ما تم استخدام عدادات المياه الذكية في الآبار ستكون هناك أرباح بقيمة نصف مليار دولار على مدار 40 عاماً، وتمكن الخطوة الأولى في وضع العدادات التي نهدف من خلالها إلى وضع طريقة مثلى لاستخدام المياه الجوفية، والتي ستحقق قياس كمية المياه التي تم ضخها في السنة، والتي تقدر حصص كل مزارع سنوياً من هذه المياه، من خلال استخدام التكنولوجيا عبر العدادات الذكية، كما تمكن هذه العدادات مساير نموذج تقسيم الحصص في الأفلاج، كما أن للعدادات دور في مراقبة التزام المزارع بالحصة السنوية له من المياه الجوفية، ومخالفة كل من يتجاوز الحصة المخصصة له، وهذه الفكرة الأساسية للدارسة.
وأضاف: إذا لم نضع العدادات الذكية ولم يلتزم كل مزارع بحصصه من المياه الجوفية سينعكس الأمر سلباً على الانتاج الزراعي في سهل الباطنة ودخل المزارعين، ولتجنب الوقوع في هذا الأمر ينبغي العمل بتكنولوجيا العدادات الذكية وتوزيع حصص المياه الجوفية للمزارعين، ومراقبة هذه الحصص بالعدادات .. مؤكداً أن استخدام هذه العدادات لن تزيد من الرقعة الزراعية في سهل الباطنة ولكن يجب استغلال المياه بطريقة أجدر، لأن استعمال المياه الجوفية اليوم يعتبر مفرطاً في الباطنة والأيدي العاملة الوافدة لا تحسن استعمال المياه، وعلينا اليوم أن نقلص من المساحة الزراعية وندخل تكنولوجيا حديثة في الري، والتي من خلالها تمكن المزارع من زيادة الإنتاجية.
وقال : الدراسة شملت 40 مزارعاً من ولاية السويق تم خلالها وضع 40 عداداً في 40 مزرعة، وراقبنا استخدام المياه الجوفية في هذه المزارع خلال عامين، وكانت المراقبة بشكل يومي إذ تمكننا هذه العدادات من مراقبة استخدام المياه عن بعد، وخرجنا بنتيجة مفادها أن هناك هدراً كبيراً للمياه الجوفية في الباطنة، وحتى نحد من هذا الهدر يجب أن تكون هناك حصص لكل مزارع سنوياً والالتزام بعدم تجاوزها، ووضع تشريع يعاقب فيها كل من يتجاوز الحصص المخصصة له، وهذا الأمر التي سيحقق الاستدامة في مزارع سهل الباطنة عوض السير في طريق اندثار هذه المزارع من جراء تملح المياه الجوفية.
وأكد أن دراسة مراقبة المياه الجوفية باستخدام عدادات المياه الذكية للطاقة والري الدقيق تم رفع نتائجها إلى وزارتي الزراعة والثروة السمكية والبلديات وموارد المياه، وأدرجت هذه النتائج في استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2040 في السلطنة، وأدركت وزارة الزراعة والثروة السمكية أهمية وضع العدادات الذكية في مزارع سهل الباطنة في المستقبل .. مضيفاً: لا توجد موارد مياه يمكن الاعتماد عليها في الزراعة باستثناء المياه الجوفية في السلطنة وهذه الموارد متجددة إذ تتجدد بمياه الأمطار والتي تعتبر محدودة في البلاد، ووزارة البلديات وموارد المياه تعمل كميات المياه الجوفية في السلطنة في كل عام، ولكن المياه الجوفية التي يتم ضخها أكثر من المياه التي تدخل إلى المياه الجوفية، والنتيجة الحتمية لذلك أن مياه البحر تدخل من تحت الأرض في الفراغات التي يسببها الاستخدام الجائز للمياه الجوفية.
• مكّن تعاون المزارعين من إجراء اختبار واقعي لصلاحية تطبيق تكنولوجيا قياس المياه عبر عدادات المياه الجوفية الذكية وقابليتها.
• أظهرت نتائج الدراسة أن القيمة الحالية الصافية من قياس استخراج المياه الجوفية ومراقبتها باستخدام عدادات المياه الذكية تقدر بـ 304 ملايين ريال عماني أو (512 ريالاً عمانياً/هكتار/سنة) مع معدل عائد داخلي 93٪ (تقدير لعائد الاستثمار)، وهذا يدل على الجدوى الاقتصادية لتكنولوجيا قياس المياه بعدادات المياه الجوفية الذكية.
• أوضحت النتائج أن الاستخدام المستدام لطبقة المياه الجوفية ينتج عنه انخفاض في المساحة المزروعة بنسبة 10٪، وانخفاض في استخراج المياه الجوفية بنسبة 20٪، وتغيّر في مزيج المحاصيل.
• أشارت النتائج إلى أن 42٪ من المزارع الأقل كفاءة تفقد القدرة التنافسية، وعليه يمكن لأصحابها تحويلها إلى استخدامات أخرى مثل الاستخدام السكني والحضري والصناعي، مع التسهيلات الكافية التي تقدمها الحكومة كما هو مقترح في استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة 2040 في سلطنة عمان.
• حددت استراتيجية التنمية الزراعية والريفية المستدامة 2040 التي وضعتها الحكومة في عام 2017م الحاجة إلى تنفيذ تجارب مشروع البحث المذكور كمشروع رائد في منطقة السويق بمحافظة الباطنة بالاشتراك مع المزارعين المنظمين لمنظمات مستخدمي المياه.
• أبدى المزارعون الذين تدعمهم جمعية المزارعين العمانية ومقرها في السويق استعدادهم للتعاون والمشاركة في المشروع لقياس المياه والإدارة الرشيدة للمياه الجوفية.
• من المتوقع أن يؤدي نجاح المشروع الرائد إلى تبني تكنولوجيا قياس المياه على نطاق واسع، مما يؤدي إلى الاستخدام الرشيد للمياه الجوفية والزراعة المستدامة.